تحسين جدولة الوظائف باستخدام الذكاء الاصطناعي





تُعد الجدولة الفعّالة للوظائف والعمليات من أهم التحديات في الإدارة، حيث تظهر فائدة تحسين الجدولة في رفع كفاءة الاستغلال الأمثل للموارد المستخدمة في التنفيذ والتي يمكن أن تتكون من الموارد البشرية، والموارد المالية، والموارد الأصولية، والموارد الزمنية.


في هذا المقال سنستعرض أحد المشاريع التي قمنا بتنفيذها في هذا المجال والتي كان المستفيد منها أحد مصانع نسج وحياكة الملابس. حيث تمر عملية التصنيع لديهم ببعض المراحل اليدوية وبعض المراحل الآلية. وكان الهدف من المشروع تحسين جدولة المراحل الآلية والمكونة من:



  • مرحلة النسج والحياكة حيث أن كل نوع من أنواع الملابس، وكل مقاس، وكل لون له وقت نسج وحياكة معين. كما أن بعض أجزاء الملابس تتطلب نسج والبعض الآخر يتطلب حياكة. يتم تقسيم هذه الوظائف إلى مجموعة من العمليات وكل عملية يتم إنجازها على آلة معينة. يتطلب تغيير العملية تغيير إعدادات الآلة أو تغيير الخيوط والمستلزمات المستخدمة في الآلة، ويتطلب ذلك زمن توقف للآلة مما يؤثر على زمن الإنتاج وكفاءة الاستخدام.
  • مرحلة الغسل والتجفيف حيث يجب قبل البدء في هذه المرحلة تقسيم الملابس إلى مجموعات بناء على نوع الخيوط المستخدمة، واللون، وحجم الملابس. كل مجموعة لها مساحيق غسل معينة ومدة غسل معينة وطريقة غسل معينة، وعدم الإلتزام بذلك يؤدي إلى تلف الملابس. لضمان الاستغلال الأمثل لآلات الغسل والمساحيق، يجب تقسيم الملابس إلى أقل عدد من المجموعات بأفضل الطرق الممكنة.
  • التجميع والتغليف والتعبئة: بعد الانتهاء من الغسل والتجفيف يتم تجميع الملابس في مجموعات بناء على طلبات العملاء، وقد تشمل المجموعة الواحدة نوع واحد أو أكثر، ومقاس واحد أو أكثر، ولون واحد أو أكثر. عدم تقسيم الملابس بطريقة فعالة يؤدي إلى هدر كبير في الآلات وأدوات التعبئة والتغليف.


بدأ المشروع بتعميم حالة المصنع وتحويلها إلى مسألة رياضية ليتم تطبيق خوارزميات الذكاء الاصطناعي عليها. تم وصف الحالة رياضياً على أنها مكونة من معالجة لمجموعة من (N) وظيفة على مجموعة من (M) آلة، بحيث أن الوظيفة الواحدة تتكون من عدة عمليات يجب أن يتم تنفيذها في تسلسل وحيد. وكل عملية تتطلب مدة معالجة معينة على كل آلة. بعض العمليات لديها أسبقية، مما يعني أنه يجب تنفيذها قبل العمليات الأخرى. وكل آلة يمكنها معالجة وظيفة واحدة فقط في نفس الوقت. ومعالجة كل وظيفة يتطلب زمن معين يختلف باختلاف الوظيفة. عند التبديل بين أنواع مختلفة من الوظائف على آلة معينة، يوجد وقت تغيير وهو الوقت اللازم لتحضير الآلة لنوع جديد من الوظائف يختلف عن الوظيفة الحالية. يشمل وقت التغيير تغيير إعدادات الآلة وتغيير الخيوط والمستلزمات في آلات النسج والحياكة وتغيير المساحيق في آلات الغسل.


الهدف الرئيس من تطبيق الذكاء الاصطناعي هو تحسين الجدولة الحالية لجميع الوظائف والعمليات لتقليل الوقت الإجمالي اللازم لإتمام جميع الوظائف على جميع الآلات ويُشار إلى هذا الوقت بزمن الإنتاج. بالإضافة إلى هذا الهدف الرئيس، توجد أهداف ثانوية تتمثل في رفع كفاءة استخدام الآلات عن طريق زيادة وقت عمل الآلة وتقليل وقت التوقف، وتقليل وقت تبديل الوظيفة على الآلة الواحدة، وتقليل المواد المهدرة في التبديل، وإلغاء التدخل البشري في الجدولة وتغيير إعدادات الآلات.


توجد عدة طرق رياضية وخوارزمية لتحسين الجدولة ومنها على سبيل المثال البرمجة الخطية، والجدولة الديناميكية، وخوارزمية المحاكاة المدمجة، والجدولة القائمة على الأولويات، والخوارزميات الجينية. في هذا المشروع قمنا باستخدام الخوارزمية الجينية أو الخوارزمية الوراثية (Genetic Algorithm - GA) وهي تقنية من تقنيات الذكاء الاصطناعي تعتمد على مبادئ التطور الطبيعي، مثل الانتقاء الطبيعي والوراثة. تُستخدم هذه التقنية لمحاكاة عملية تحسين تدريجي للبحث عن حلول مثلى لمسائل معقدة. تبدأ الخوارزمية بمجموعة عشوائية من الحلول، تُسمى الأفراد، ثم يتم تطبيق عمليات مثل التهجين والطفرات والتحور عليها لتكوين أجيال جديدة، ويتم تقييم الأجيال باستخدام دالة اللياقة، تستمر هذه العملية حتى يتم الوصول إلى حل مُرضٍ أو يتم استيفاء شروط التوقف. تتضمن الخوارزمية الجينية مايلي:



  • تمثيل الكروموسوم: يتم تمثيل كل حل (أو فرد) في المجتمع ككروموسوم، حيث يمثل كل جين في الكروموسوم الوظيفة والآلة التي سيتم معالجة الوظيفة عليها. كما يمثل تسلسل الجينات في الكروموسوم ترتيب الوظائف على الآلات.
  • دالة اللياقة: يتم تقييم لياقة كل كروموسوم باستخدام دالة لياقة تأخذ في الاعتبار الأهداف التالية. تقليل إجمالي الوقت المطلوب لإكمال جميع الوظائف وهذا يسمى مدة الإنجاز الكلية أو زمن الإنتاج. تعظيم فترة استخدام الآلة وهذه تسمى زمن تشغيل الآلة، تقليل الوقت المطلوب للتحويل بين أنواع الوظائف على كل آلة وهذه تسمى وقت التبديل. تستبعد دالة اللياقة الجداول الزمنية ذات مدة الإنجاز الكلية العالية، واستخدام الآلة المنخفض، وأوقات التبديل المفرطة.
  • الانتقاء: يتضمن الانتقاء اختيار أفضل الكروموسومات أداءً للتكاثر بناءً على درجات لياقتها.
  • التهجين: يتم دمج كروموسومين أبويين لإنتاج كروموسومات نسلية، مما يحاكي عملية إعادة التركيب في التطور البيولوجي.
  • التحور: يتم إدخال تغييرات عشوائية على الكروموسومات النسلية لاستكشاف أجزاء جديدة من فضاء البحث.
  • النخبوية: للحفاظ على أفضل الحلول، تضمن النخبوية نقل أفضل الجداول الزمنية إلى الجيل التالي.


تتكرر هذه العملية لعدة أجيال حتى يتم العثور على حل أمثل أو قريب من الأمثل.


النتائج: في الأسفل بعض الصور الناتجة عن تنفيذ الخوارزمية الجينية على مصنع النسج والحياكة




تحسين جدولة الوظائف باستخدام الذكاء الاصطناعي لزيادة الكفاءة والإنتاجية



في السابق كانت الجدولة وضبط إعدادات الآلات تتم قبل البدء في التصنيع باستخدام جداول يعمل عليها 22 مهندس وفني لمدة 12 ساعة، تبدء بإدخال الطلبات الواردة إلى المصنع في الجداول عن طريق الفنيين، ثم يقوم المهندسون بتطبيق بعض العمليات الحسابية بناء على خبراتهم السابقة لحساب الجدولة. أفضل توزيع وصل إليه المهندسون والفنيون هو تصنيع وتعبئة وتغليف 600 ألف قطعة في 14 يوماً. بعد تطبيق الجدولة المحسنة باستخدام الذكاء الاصطناعي تم تقليل المدة إلى 9 أيام لنفس العدد من القطع دون الحاجة إلى أي تدخل بشري. أيضا تم إنقاص عدد الآلات المستخدمة في الغسل والتجفيف والتعبئة والتغليف بنسبة 35%. وكان إجمالي التوفير في الموارد المالية المباشرة وغير المباشرة 45%.