تُعد الجدولة الفعّالة للوظائف والعمليات من أهم التحديات في الإدارة، حيث تظهر فائدة تحسين الجدولة في رفع كفاءة الاستغلال الأمثل للموارد المستخدمة في التنفيذ والتي يمكن أن تتكون من الموارد البشرية، والموارد المالية، والموارد الأصولية، والموارد الزمنية.
في هذا المقال سنستعرض أحد المشاريع التي قمنا بتنفيذها في هذا المجال والتي كان المستفيد منها أحد مصانع نسج وحياكة الملابس. حيث تمر عملية التصنيع لديهم ببعض المراحل اليدوية وبعض المراحل الآلية. وكان الهدف من المشروع تحسين جدولة المراحل الآلية والمكونة من:
بدأ المشروع بتعميم حالة المصنع وتحويلها إلى مسألة رياضية ليتم تطبيق خوارزميات الذكاء الاصطناعي عليها. تم وصف الحالة رياضياً على أنها مكونة من معالجة لمجموعة من (N) وظيفة على مجموعة من (M) آلة، بحيث أن الوظيفة الواحدة تتكون من عدة عمليات يجب أن يتم تنفيذها في تسلسل وحيد. وكل عملية تتطلب مدة معالجة معينة على كل آلة. بعض العمليات لديها أسبقية، مما يعني أنه يجب تنفيذها قبل العمليات الأخرى. وكل آلة يمكنها معالجة وظيفة واحدة فقط في نفس الوقت. ومعالجة كل وظيفة يتطلب زمن معين يختلف باختلاف الوظيفة. عند التبديل بين أنواع مختلفة من الوظائف على آلة معينة، يوجد وقت تغيير وهو الوقت اللازم لتحضير الآلة لنوع جديد من الوظائف يختلف عن الوظيفة الحالية. يشمل وقت التغيير تغيير إعدادات الآلة وتغيير الخيوط والمستلزمات في آلات النسج والحياكة وتغيير المساحيق في آلات الغسل.
الهدف الرئيس من تطبيق الذكاء الاصطناعي هو تحسين الجدولة الحالية لجميع الوظائف والعمليات لتقليل الوقت الإجمالي اللازم لإتمام جميع الوظائف على جميع الآلات ويُشار إلى هذا الوقت بزمن الإنتاج. بالإضافة إلى هذا الهدف الرئيس، توجد أهداف ثانوية تتمثل في رفع كفاءة استخدام الآلات عن طريق زيادة وقت عمل الآلة وتقليل وقت التوقف، وتقليل وقت تبديل الوظيفة على الآلة الواحدة، وتقليل المواد المهدرة في التبديل، وإلغاء التدخل البشري في الجدولة وتغيير إعدادات الآلات.
توجد عدة طرق رياضية وخوارزمية لتحسين الجدولة ومنها على سبيل المثال البرمجة الخطية، والجدولة الديناميكية، وخوارزمية المحاكاة المدمجة، والجدولة القائمة على الأولويات، والخوارزميات الجينية. في هذا المشروع قمنا باستخدام الخوارزمية الجينية أو الخوارزمية الوراثية (Genetic Algorithm - GA) وهي تقنية من تقنيات الذكاء الاصطناعي تعتمد على مبادئ التطور الطبيعي، مثل الانتقاء الطبيعي والوراثة. تُستخدم هذه التقنية لمحاكاة عملية تحسين تدريجي للبحث عن حلول مثلى لمسائل معقدة. تبدأ الخوارزمية بمجموعة عشوائية من الحلول، تُسمى الأفراد، ثم يتم تطبيق عمليات مثل التهجين والطفرات والتحور عليها لتكوين أجيال جديدة، ويتم تقييم الأجيال باستخدام دالة اللياقة، تستمر هذه العملية حتى يتم الوصول إلى حل مُرضٍ أو يتم استيفاء شروط التوقف. تتضمن الخوارزمية الجينية مايلي:
تتكرر هذه العملية لعدة أجيال حتى يتم العثور على حل أمثل أو قريب من الأمثل.
النتائج: في الأسفل بعض الصور الناتجة عن تنفيذ الخوارزمية الجينية على مصنع النسج والحياكة
في السابق كانت الجدولة وضبط إعدادات الآلات تتم قبل البدء في التصنيع باستخدام جداول يعمل عليها 22 مهندس وفني لمدة 12 ساعة، تبدء بإدخال الطلبات الواردة إلى المصنع في الجداول عن طريق الفنيين، ثم يقوم المهندسون بتطبيق بعض العمليات الحسابية بناء على خبراتهم السابقة لحساب الجدولة. أفضل توزيع وصل إليه المهندسون والفنيون هو تصنيع وتعبئة وتغليف 600 ألف قطعة في 14 يوماً. بعد تطبيق الجدولة المحسنة باستخدام الذكاء الاصطناعي تم تقليل المدة إلى 9 أيام لنفس العدد من القطع دون الحاجة إلى أي تدخل بشري. أيضا تم إنقاص عدد الآلات المستخدمة في الغسل والتجفيف والتعبئة والتغليف بنسبة 35%. وكان إجمالي التوفير في الموارد المالية المباشرة وغير المباشرة 45%.